بُنيتي
يا من أسميتها باسم أمي مريم
ليت جدران الدار تتكلم
لأخبرتكِ كم كنت بكِ أحلم
منذُ أعوام و أنا أنتظر
حتى
تسلل إلى قلبي بشرى خبر
أحتفيت بكِ
ثمانية أشهر أمشاجا
عشتها بشوق و ترغب
و أنا أمرر يديّ على بطن أمك
أصغي لحركاتك
أتحسس تموجاتك
و أمكِ تشاطرني فرحتي و أكثر
كنا
نتحدث إليكِ / نداعبكِ / نتحلى عليكِ
متى نسمعكِ تنطقي
أما..
أبا..
ممزوجة بفقاقيع لعابك
متى تحبّـي
متى تمشي
لكي ننشد لك أرجوزة
( هدا هدا.. الشر غدا )
بُنيتي
كم نعست وأنا أسامرك
كم رسمت لك بخيالي صورة
لم يساورني الشك بأني سأفقدكِ
لا شي يوحي بأني غداَ سأبكيكِ
بُنيتي
بلا سابق إنذار
حزمتِ حقائب الرحيل
لم أعلم بأن هادم اللذات حضر
بالوهلة الأولى
لم أستوعب الصدمة
لم أصدق خبر رحيلك
أيها الطبيب
أعد الفحص مرة و مرتين
لعلى و عسى هناك أمل
فأجابني البقاء لله
حينئذ بكيت.. بكاء المثكول
بحرقة قاسية و قلب ممزق
بتُ أصرخ
مستحيل هناك خطاء
كيف نفقدها و بالأمس القريب
شاهدنا أدق التفاصيل
بالسونار
أخبرونا كل شي سليم
أيها الطبيب
أرجوك أعد الفحص
أخبرني
أي مرض داهمها
أي مكروه أصابها
أي سـوء ألم بها
أن صح الخبر
ما العمل / ما العمل
كيف المخرج
لجنين قبره بطن
ستة أيام
لا ليلنا ليل و لا نهارنا نهار
و نحن ننتظر
بين
صلاة و دعاء
و خوف ورجاء
(ربي نجي لي زوجتي و أخرجها سالمة)
بُنيتي
يوم مولدك
أهزوجة ممزوجة
بالحزن والفرح
سامحيني
الجرح عميق والمصيبة جلل
خوفي على أمكِ
خفف و طئة حزني ببقايا ملح دمعي
آااااه من ذكراك
لن أستطيع أن أنساك
لما غرستِ الحنين و رحلتِ
لما أخذتِ ما تبقى مني
رغم أني لم أراكِ
ألا جثة مسجية بجانب كفن
كالملاك
و لن أبالغ أن شبهتكِ بحور العين
بيدي
غسلتكِ بالسدر
و
حنطتكِ بالكافور
و
المسك لك عطر
صليت / و دعوت / و حمدت
و
حملتكِ وصايا قلب أبيكِ المنفطر
نعشك المغطى يمر فوق روحي
يحملة ستةُ أخوة كالفرسان
فهيض ركب المشيعين
لوعة الفراق
كل أحزاني تكالبت في المقبرة
أحثو التراب بدمعي المنهمر
و النحيب يتفجر بقلبي
كلما ردمت ذاك القبر
قبل أن أمسح الطين من يدي
توافد المعزون يواسوني
رجعت
و لم يفلح النوم بأن ينسيني
أحساس غريب و شعور متضارب
يدور في رأسي
كيف لهم يصفوني بالقاسي
كيف لهم لا يراعون إحساسي
ما علموا
بأنكِ جزء مني
من لحمي و دمي
أما علموا
بأني أحبس الأنفاس و أكفكف الدموع
أمام الأخرين
فينهار بداخلي
صمت البكاء يحتضر
أما علموا
بأن لليل أسرار
تواري فجيعة أب
ينشج العبرات / و يجهش بالبكاء
أن لهم ذلك
كل ما هنَلك
بأني لم أقم لكِ مأتم
بربكم
هل على الشفيع.. الخدود تلطم
بُنيتي أوفر حظاً و أكثر مغنم
هي تحت عرش الرحمن تنعم
لذا لن أندم
ما عند الله خيراً و أبقى
ربي صبرت و حمدت حتى ترضى
*****
أنا لله و أنا له راجعون
و لا حول و لا قوة ألا بالله
ربي أغفر ضعفي
و تجاوز عني
(ربي أجرني في مصيبتي و أخلف علي)